كنت أجري مقابلة عمل في يوم اعتيادي، ووصلتني سيرة المتقدّم: «صالح، خريج طموح، شغوف بالتقنية والتعلّم السريع». بدا كل شيء مبشّرًا، وكنت متحمسًا لسماع قصته المهنية وبداية رحلته في سوق العمل.
لكن ما إن بدأنا الحديث، حتى وجدت نفسي، وبشكل لا إرادي تقريبًا، أطرح عليه السؤال الكلاسيكي:
«أين ترى نفسك بعد خمس سنوات؟»
توقّف صالح للحظة، ثم أجاب بابتسامة مصقولة وكأنها جُهّزت بعناية:
«أطمح أن أكون في منصب قيادي، أُحدث أثرًا في قطاع التقنية، وأقود فرقًا متعددة الجنسيات».
أومأتُ برأسي باهتمام، لكن داخلي كان يتمتم: هل ما زلنا نطرح هذا السؤال فعلًا؟ هل يعكس هذا حقًا قدرتنا على «تقييم شخص» في هذا الزمن؟
الحقيقة أنني أنا نفسي لم أكن أعلم أين سأكون بعد خمس سنوات.
قبل ثلاث سنوات فقط، كنت أعمل مسؤولًا للتدريب في شركة ناشئة صغيرة، ثم قلبت جائحة واحدة كل الخطط رأسًا على عقب. السوق تغيّر، والأولويات تبدّلت، وحتى معايير النجاح أصبحت أكثر مرونة وتنوعًا.
فهل من المنطقي أن نطلب من مرشّح شاب أن يرسم خارطة طريق دقيقة لمستقبل لا يمكن لأحد التنبؤ بتقلباته أصلًا؟
هذا السؤال، برأيي، يُشبه رسالة خرجت من آلة الزمن، من زمن الوظائف المستقرة والخطط الخمسية، حين كان الموظف يقضي عمره المهني في شركة واحدة، ويحصل على الترقية بعد سنوات من الانتظار والالتزام.
أمّا اليوم، فالعالم أصبح أكثر ديناميكية وتعقيدًا. المهارات تنتقل أسرع من المناصب، والشغف يتغير من مشروع لآخر، والوظائف باتت تتقاطع مع تخصصات مختلفة لم تكن موجودة قبل عقد من الزمن.
في مقابلاتي الحديثة، صرت أفضّل أسئلة من نوع آخر لتقييم المرشحين، مثل:
- «ما آخر مهارة تعلّمتها خارج عملك؟»
- «متى غيّرت رأيك المهني آخر مرة؟»
- «لو خُيّرت بين الاستقرار والتجربة، ماذا تختار؟ ولماذا؟»
لا تمنح هذه الأسئلة إجابات محفوظة، بل تفتح نوافذ على طريقة التفكير، والمرونة، والقدرة على التكيّف. لأننا لم نعد نبحث عمن يملك خطة مثالية، بل عن شخص يملك عقلًا مرنًا 🧠، وقلبًا متعلّمًا 💖، ويدًا جاهزة للتطوّر 💪.
«أين ترى نفسك بعد خمس سنوات؟»
ربما آن لهذا السؤال أن يرتاح... فقد تغيّر العالم من حوله.